منتديات القطرية

منتديات القطرية (https://www.alqatareya.com/vb/index.php)
-   المنتدى الثقافي (https://www.alqatareya.com/vb/forumdisplay.php?f=13)
-   -   شجاعة الأنوار (https://www.alqatareya.com/vb/showthread.php?t=2987)

البرواز و الصورة 29-09-2015 09:38 PM

شجاعة الأنوار
 
http://alqatareya.net/uploads/1443551865641.jpg

حسن المصطفى

"لكي يلج الإنسان الأنوار يستوجب الأمر منه الخروج من حالة القصور التي يوجد فيها بسبب خطئه الذاتي . فإن تكون قاصراً معناه : أنك غير قادر على استعمال فهمك الخاص دون توجيه من الآخر لأن سبب هذا القصور الذي وجد الإنسان فيه نفسه لا يعود إلى خلل في الفهم ، و إنما إلى ضعف القرار و الشجاعة على استعمال فهمه دون توجيه من أحد". إمانويل كانط و في نصه أعلاه يسعى إلى الإجابة على سؤال "ما هي الأنوار ؟" محاولاً رسم أولى ملامح الطريق نحو الخروج من ظلمة الجهل و الضعف و التردد و الهزيمة و التبعية إلى نور العلم و المعرفة و الاستقلال و الشجاعة . الأنوار ليست مجرد معرفة ذهنية و تحصيل أكاديمي أو تراكم خبرات حياتية . و ليست مجرد خوض في بطون الكتب و حفظ لمتونها إنما هي عملية أكثر تعقيداً ترتبط بإرادة "الحرية" و تحديداً حرية التفكير و اتخاذ القرار . أي القدرة على إعمال الفهم الخاص قبالة الفهم الجمعي أو اتجاه الفهم السائد بمنطوق القوة أو السياسة أو الدين أو المجتمع . من هنا فإن الأنوار لا يمكنها أن تشع في الأنفس الضعيفة و هو ما يحيلنا إلى مفهوم نيتشه الأثير عن "القوة" و "العقول المتعالية" و كيف أن هذه القوة هي من تقود زمام النفس و العقل لتكون للفرد رؤيته المستقلة التي لا يتبع فيها الآخرين ، حتى و إن اضطر لهجرهم أو البعد عنهم أو التخلي عن مكاسب مادية و امتيازات عدة يراها نيتشه غير جديرة بالاهتمام بل تافهة و لا قيمة لها بتاتاً طالما هو سيكون في "الأعالي". إن السياق المجتمعي الخامل و الرتيب للأفراد هو ما يدفعهم نحو الضعف في كثير من الأحيان ، و من هنا يقول كانط إن "الكسل و الجبن هما السببان اللذان يفسران بقاء أكبر عدد من الناس قاصرين طيلة حياتهم بالرغم من أن الطبيعة حررتهم منذ أمد بعيد". من هنا نرى أن المخيال الشعبي و القصص و الأمثال جميعها تحيل إلى "إيثار السلامة" و "السير مع الجماعة" و "حشر مع الناس عيد" مغذية بشكل سلبي نزعة التبعية و الاستسلام ، و قامعة في الفرد روح الفردانية و حرية الاختيار و التفكير و التي هي أساس أي عملية تطور و انتقال من حال الجماعة إلى طور المجتمع المتمدن الحديث . في محاولة منه لاستفزاز الأنفس و العقول يقول كانط بنبرة حازمة "لتكن لديك الشجاعة على استعمال فهمك الخاص". مقرعاً تلك الذوات القابعة تحت سيطرة الآخرين و المترددة و الخائفة من أن تكون لها كينونتها الخاصة . الحرية إذاً تحضر كشرط رئيسي لأي عملية تحول نحو التنوير و المدنية و خروج من طور التبعية . و لذا "لنشر الأنوار إذاً ليس هناك أكثر أهمية من الحرية" كما يقرر كانط . و الحرية المشار إليها لا تأتي كمرادف للفوضى العارمة أو البوهيمية كما يسعى بعض المتخابثين أن يروج ، و إنما هي تلك التي عرفها روسو بقوله "لا تبتني الحرية على أن يفعل الفرد ما يريد بإرادته الخاصة بقدر ما تقوم على ألا يخضع لإرادة شخص آخر". أي إن الحرية هي نفي لسيادة إنسان على آخر أو سيطرته المادية و الثقافية عليه . إن مبدأ "عدم الخضوع" للشخص هو ما يمنح الحرية قيمتها كونها تلغي مفهوم "السيد" الفرد ليحل مكانه "القانون" الذي يتبعه الجميع و لا يتجاوزونه . و هنا ندخل في مستوى آخر من فهم الحرية و ترسيخها كمدماك في بنية "الدولة الحديثة" و هو ما يتطلب شجاعة أكبر في الالتزام بقواعدها و أنظمتها فهل لدينا الشجاعة الكافية لأن "نلج الأنوار" أم أننا في عتمة "التخلف" و "البدائية" مقيمون ؟!.


الساعة الآن 10:47 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.

Security team