
أيمن الحماد
عندما أراد ميخائيل غورباتشوف نقل التجربة الصينية التي قام بها قائد الانفتاح الصيني دينغ شياو بينغ فشل الزعيم السوفييتي لأن النهضة في الصين اعتمدت على الزراعة في بداياتها و عبر جملته الشهيرة "أعطوا الأراضي للمزارعين" أشعل شياو بينغ ذلك التنافس في روح الفلاحين الذين ارتفع إنتاجهم بشكل كبير ، بينما لم يكن الاتحاد السوفييتي في واقع الأمر بلداً زراعياً .. هذه السردية ضرورية من أجل الاعتبار و ضرورة أن نعلم بأن التجارب التي تصلح في دولة ما لا يمكن أن تصلح في دولة أخرى أو تستنسخ هذا من جهة ، و من جهة أخرى لكل دولة نقاط قوة و ضعف و أن النجاح يكمن في وضع اليد على هذه المكامن و العمل عليها بمعنى تعزيز القوي و تقوية الضعيف منها . يحتاج هذا الأمر إلى جهد و وقت و عمل دؤوب و أناس يدفعهم حب أوطانهم و نهضتها و غيرتهم عليها من أجل القيام بهذا العمل الشاق . فمن الضروري أن نعلم ماذا ينقصنا ؟ و ماذا نحتاج ؟ و ماذا نريد ؟ و إذا لم يكن لدينا إجابة على هذه الأسئلة فإن جهودنا ستذهب أدراج الرياح . على سبيل المثال بلد مثل سنغافورة مساحته صغيرة و محدود الموارد لكنه في قائمة اقتصاد العشرين لماذا ؟ لأنه يعرف إمكانياته و قام باستغلالها بأفضل صورة فكان ميناء سنغافورة الوجهة الاقتصادية لهذا البلد و الذي حولها إلى رقم اقتصادي مهم مع العلم أنه لا يوجد بها مصانع . و هنا مفارقة بأن تكون دولة من أكثر الاقتصاديات قوة بدون مصنع واحد و هو أمر يعيدنا إلى ضرورة اختيارنا للنموذج الاقتصادي الذي يتناسب مع إمكانياتنا و قدراتنا . و بدون شك فإن تنوع مصادر القوى من شأنه جعل تقوية الاقتصاد و تنميته مهمة تبدو أقل صعوبة فيما لو كانت خيارات النمو محدودة . في المملكة لدينا قدرات شابة و مؤهلة بإمكانها إيصال المملكة لمراتب اقتصادية أكثر تقدماً مستعينة بالتنوع الذي حباه الله لأرضنا حيث يمكننا الاستفادة بدءاً من الرمال في الربع الخالي حتى الطاقة الشمسية مروراً بمنافذنا البحرية و غيرها ، لكن استغلال ذلك كله بحاجة إلى إصلاحات و عقول تفكر و أيد عاملة يدفعها حب الوطن ، إذ بدون هذه العقول و السواعد لا يمكن للإجراءات أو الجهود الحكومية صنع تقدم اقتصادي مهما حصل . بعد الحرب العالمية الثانية عمل الألمان طوال ال24 ساعة بنظام الورديات حتى يشيدوا هذه المعجزة و مثلهم اليابانيون و الماليزيون الذين كانوا يعملون ساعتين إضافيتين بالمجان من أجل الأجيال المقبلة . مستقبلنا نصنعه بأنفسنا و بأيدينا و على الحكومة في الطرف الآخر تسهيل إجراءات هذه الرحلة التي نملك زادها و راحلتها .